بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله، أما بعد اخواني الكرام، فإنني أضع بين يديكم هذا المقال الاستقرائي لحال الغريم الريال مدريد، فحال الريال هذا الموسم لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام، وسأحاول في قادم السطور أن ألقي الضوء على بعض من النقاط الهامة.
سأبدأ من حيث انتهى شافي في كلامه، فشافي صرح تصريحاً غاية في الأهمية حين قال: "برشلونة وريال مدريد كفتا ميزان، ومن الصعب أن تجدهما معاً في أفضل حال"، وانسجاماً مع قول الشاعر:هي الأيام كما عاهدتها دول من سره زمنه ساءته أزمان أو كما تقول العرب: "الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك".
إذن طبيعة الأشياء تقتضي عدم الثبات، فمن سره حاله اليوم ساءه غداً، وهذه سنة الكون، ومن اعتلى القمة بالأمس، لا عجب وأنه اليوم يفارقها، فهي الدنيا، لو دامت لمن سبقونا ما انتقلت لنا. بدايتي هذه قد يخالها القارئ غريبة، لكنها توصلني لما أريد أن انقله لكم، من أن تعثر الريال وتفوقنا أمر عادي، وهو جزء من سنة الحياة التي لا تسمح بتحقق كمال الأشياء، وكما يقال عندنا "الزين لا يكمل"!
لا يخفى على أحد أن الغريم التقليدي في أزمة، ولن يخفى أيضاً على أحد أن برشلونة عانى بالأمس القريب تماماً كما يعاني الريال اليوم، فالزمن اختلف والصورة واحدة، ولمن نسي أقول أرجع بذاكرتك للأمس القريب حتى تجد البرسا غارقاً في مأزق يعاني مع الصغار قبل الكبار.
ولكن هل من المهم أن نراقب ما يدور هناك في البيت المدريدي؟ سؤال ستتعدد الإجابات فيه، وهي -أي الإجابات- ليست مرجعية، فالبعض يمتلك رؤية تقول إن متابعة أخبارهم لا تفيدنا بشيء. فريق آخر سيرى أن متابعة أخبارهم أمر فطري لا بد منه! وبين هذا وذاك نحار في ما سنقول وما سنفعل!!
الحق، أننا لا يمكننا أن ننكر أننا نتابع أخبارهم دوما، والحق أيضاً أننا لا نعبأ بمن يلاحقنا إذا كان الغريم بعيداً عنا، والحق أيضاً أننا نفرح حين نعلم أنهم خسروا، وهو امر منطقي حتماً، فقوانين المنافسة تقتضي أن تتابع منافسك وأن تراقب حركاته، إلا أن هذا المتابعة ينبغي أن تكون عقلانية، وأن تنبني على أساس مدروس نستخلص منه العبر، ونتعلم كيف نتجنب الأخطاء التي يقعون فيها!
هنا تبرز أولى المشكلات، وأولى المشكلات تبدأ حين تنحرف بالنظر عن الهدف الأساسي، فهل الهدف هو أن تتسيد الليغا، أم أن الهدف أن تتقدم على الريال، ولا بأس إن كان الريال خامساً وكنت أنت رابعاً؟؟؟؟
إذن الوعي بالهدف والإيمان به أولى سبل إزالة التشويش الذي تسببه أخبار الغريم، ولا بد أن يعي الإعلام المحيط بالفريق قبل الفريق نفسه أن الهدف أكبر وأسمى من مقارعة الريال، فبرشلونة لا يقارع هذا الموسم ريال مدريد فقط بل ويقارع كل كبار أوروبا لأنه مرشحي منطقي لنيل لقب الابطال، وبالتالي فإن اختزال المنافسة مع الريال من شأنه أن يسبب إرباكاً للفريق بشكل عام وللمدرب بشكل خاص، لأن نجاحه سيقاس بفشل المدرب الآخر، وهو خطأ فادح قد يرتكبه الإعلام الضال أو المضلل!
النظر إلى مشكلة الريال لا ينبغي أن يمر دون قراءة لأسبابها، وقراءة أسبابها مفيد في استخلاص العبر، فالمطلوب والمهم أن نستخلص نحن العبر من المأزق الذي يمرون فيه، فنتجنب لاحقاً أمور يحتمل أن نتعرض لها، وهنا لا بد وأن أقول أن الريال يؤخذ عليه دوماً إيمانه بالأسماء البراقة، والدليل على ذلك أن كالديرون أهدر موسم الصيف كاملاً وهو يحلم بتوقيع رونالدو، وكانت النتيجة أن انتهت التعاقدات دونما يحصل على أكثر من فرقعة إعلامية، والأيام أثبتت أن الملايين والاسماء الكبيرة لا تصنع الأمجاد حين لا تكون منسجمة مع بعضها البعض، فطبيعة الكون تتكلب التناغم لإتمام المهمات، وعدم حدوث التجانس والتناغم بين العناصر يحول مجموعة الأفراد المميزين بشكل خاص إلى مجموعة واحدة تعاني من عدم الانسجام، فالانسجام بين أفراد الفريق والتناغم بينهم أهم بكثير من استحضار لاعب عملاق لمجرد ابهار الآخرين!!
وهذا الموضوع يقودوني مباشرة إلى موضوع سيسك فابغرياس، وربط الصحافة لمستقبله بمستقبل المايسترو شافي، واختصاراً هنا سأقول: لا ينبغي أن نعامل الموضوع هكذا، فالحديث عن فابريغاس مقابل شافي أمر مرفوض وفيه أهانة للاعب، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الإعلام الكتالوني، فمكانة تشافي يجب أن تبقى محفوظة، وعدم العمل على تشويش تفكيره، والحرص على تأكيد أهميته ومنمزلته بالفريق حفاظاً على مردوده الخرافي في المستوى الفني.
إذن يبدو جلياً أن العوامل التي يعتمد عليها نجاح الفريق تتجاوز عبقرية قراءة المدير الفني لكل لقاء، فالعوامل الأخرى وإن قلت أهميتها عن الأولى، إلا أنها تحتل مكانة متقدمة في العمل على التأثير على اللاعبين، والأولى لنا أن نستفيد من تجربة رحيل المبدع ربينهو عن الريال مدريد الموسم الفائت، وأن نتعلم أن لا نحاكم لاعبينا ومبدعينا بذات الطريقة الخاطئة التي ينتهجها كالديرون ورجاله!
وإذا ما أراد برشلونة هذا الموسم أن يحقق الألقاب فعليه أن يقوم أولاً بتحديد الاهداف، وأن يعمل ثانياً على الأخذ بالأسباب، وأن يحتاط ثالثاً من كل ما قد يعرض تجربة الفريق إلى خطر الانهيار، فلحد الآن حققنا نتائج جيدة ولكننا لم نضمن شيئاً، وبالتالي فإن التركيز والعمل لا بد وأن يكونا شعار المرحلة القادمة، ولا بد للكتيبة الكتالونية، ولكم أنتم أيه الجمهور الوفي أن تعلموا أننا لا زلنا في الطريق وان الطريق طويل، والمفاجآت غير مضمونة، فهي الليغا المجنونة عودتنا على كل ما هو غريب، فمن يدري ماذا يحصل غداً، ومن يدري ما الذي قد تنقلب إليه الأمور، وبالتالي فأن التوصية التي ينبغي أن يحفظها كل الفريق أن العمل دونما نظر إلى النتائج المحيطة امر هام، وأن النتائج لا تحسم إلا حين نحمل كأس الليغا، أو حين نحتفل بالفوز بدوري الأبطال...
أخيراً أتمنى أن أكون قد وفقت في هذا الطرح السريع الموجز، وأتمنى أن ينال المقال استحسانكم....