بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق وخاتم النبيين، أما بعد فإحييكم أخواني واصدقائي أعضاء موقع برشلونة، وأخص بالذكر الزملاء الكرام أعضاء رابطة القلم، وأعتذر كثيراً عن الغياب الطويل، فأرجو منكم المعذرة.
يصعب النظر إلى الأشياء من بعيد، ويصعب كذلك الحكم على الأمور من جزئياتها، فعند الحكم ينبغي النظر ملياً ويجب دراسة الأشياء بتفاصيلها حتى لا يحكم الحكم متسرعاً ويحصل بالتالي التسرع. هذه المقدمة البسيطة ستمهد لما أريد الحديث عنه، فهذه المقالة ستشكل دراسة لخط سير الفريق منذ بداية الموسم حتى اللحظة التي أخط فيها هذه السطور، ولعل من المهم القول إن الحكم لا يبدو أمراً سهلاً عند الحديث عن لقاءات محدودة نظراً لأن إصدار الأحكام يتطلب تروياً أكبر.
البعض خرج ليقول إن هذا الشاب -والمقصود طبعا غوارديلا- فشل في الاختبار الأول، والبعض قرر أنه مدرب لا يصلح لقيادة البرسا، ولعلي أشعر -ومصدر شعوري يسمد قوته من المنطق العقلاني- أن من تفوه بهذه الكلمات حينها متسرع بالحكم، وأكثر ما يثبت هذا الكلام هو النتائج العكسية التي أتت بعد "الإخفاقين" الأولين. إذا لا يخفى على أحد أن برشلونة بدأ بداية متعثرة في الدوري، فعندما تخسر في اللقاء الأول وتسقط متعادلاً في اللقاء الثاني وأنت برشلونة فلا شك أن الإخفاق أول ما سيتبادر إلى ذهن الناس، ولا شك أن هذا الحكم سيصل بهم أولاً واخيراً إلى المدرب الذي يسود الاعتقاد عند كثيرين بأنه غير جدير بالمنصب الذي تولاه، فكيف نقرأ نحن هذه المتغيرات كلها.
عملية القراءة هنا لن تكون عملية سهلة، فكما أوضحت فإن عدد التجارب الذي ينبغي أن نعلق عليه ليس كافياً –بنظري على الأقل- لتقييم المدرب، وإن كنت أرى أن هنالك مؤشرات تستحق الذكر سآتي على ذكرها الآن من شأنها أن تكون لديكم صورة عن المدرب الجديد حقاً، فغوارديلا ليس جديداً كمدرب في برشلونة بل هو جديد في عالم التدريب ولا يبدو أن خبرته في دوري الدرجة الثانية كانت كافية ليقف على دوري الكبار أو ما يسمى بدوري الأضواء. إذن بدأ غوارديلا بإخفاق، وحينها كتبت أنني لأرى فرانك ريكارد جديد، وهو ما كان حاصلاً فعلاً، فالخطة ذاتها والعجز في الهجوم ذاتها وعدم الفعالية في الوسط، ونظرية انسداد خط المؤخرة والتي تجعل من وصول برشلونة ضرباً من الخيال نظراً للتكتل البشري الذي يمنع الدخول أو الوصول.
الأمر ذاته تكرر في اللقاء التالي، ففي حين عجز خط الهجوم عن دك المرمى أتى هدف الخصم من مشاكل دفاعية أعادت إلى الأذهان مواسم الجفاف الأخيرة التي كان بطلها ريكارد. إذن كان واضحاً مع هذه البداية أن هناك مشكلة، وأن بيب مطالب بتغيير، فالبقاء على ذات الاستراتجية وعدم الشجاعة في تغيير الخطط سيقود الفريق إلى كارثة أخرى، فالعمل وحست التدبير هو ما يلزم المرحلة القادمة، والاستفادة من الأخطاء هي من ستقدم الفريق إلى المراتب المتقدمة وصولاً إلى منصات التتويج. وهنا بدأ يظهر الرجل الأول في البرسا ومديره الفني وعقله المدبر، وبدأنا نلمس فرقاً على الأرض، فاللعب أصبح أكثر امتاعاً، والتفاهم بين اللاعبين بدا موجوداً إلى حد كبير، والتناغم والثنائيات والعمل الجماعي، ومبدأ الإنقاذ وتقديم مصلحة الفريق، كلها أمور بدأت تتضح معالمها مع الفريق، ولن أنكر ولن يستطيع غيري أن ينكر أن لبيب فضلاً كبيراً في هذا.
فالكرات الرأسية بدأت تحقق نفعها، والدراسة التي قدمتها السبورت أظهرت نقلة نوعية بين زمن ريكارد وزمن بيب، وواضح تماماً أن مستوى الفريق في الكرات الرأسية أصبح أفضل، ما يعني أن المدرب نجح في التغيير في هذا الاتجاه، فالبرسا ولأول مرة من ذ فترة ليست بالقصيرة يسجل أهدافه من الركنيات ويستغل هذه الكرات في صنع التقدم وهز شباك الخصم. العمل الجماعي أيضاً من سمات الفريق الجديد، فنلاحظ جلياً أن الفريق يعمل وحدة واحدة، ويصنع بوحدته الفرص ويحقق منها الأهداف، ولعل في هذا الكلام ما لا يعجب البعض ممن يرون أن برشلونة فريق ميسي، ولهذا المحتج أقول: ألم تشاهد أنيستا وشافي وايتو؟ تعزيز الثقة بالنفس والعمل حتى اللحظة الأخيرة وزرع الروح القتالية، أيضاً من السمات التي أعيد لها الاعتبار في برشلونة، فشاهدنا كيف قلب برشلونة تأخره في آخر أربع دقائق إلى انتصار في الأبطال، وشاهدنا كيف انتصرنا في اللحظات الأخيرة في الليغا، فالروح القتالية التي تأبى الخسارة وتحاول أن تتجنبها هي من جعلت الفريق يقاتل ويهاجم حتى الصافرة وهو أمر كنا نفتقده في زمن المعلم ريكارد.
إذن يمكنني القول إننا نشهد اليوم ولادة برشلونة جديد، نعم فالفريق الحالي يبشرنا بكثير من الخير، وهو فريق -وإن بدت أسماؤه متشابهة إلى حد كبير مع الأسماء التي لعبت العام المنصرم- لامع، وسيخطف الابصار معه وسيفرض الاحترام على الجميع، وللمتعجب من تفاؤلي أقول: إن المؤشرات التي نراها وشراهة الألقاب لدى الفريق والإرادة عند الصغير بيب ستثمر بإذن الله نتائج مشرفة، وسيبقى هذا الكلام نظرياً ينتظر العمل به، ووحدها الأيام ستكشف إن كنت مخطئاً أم أنني على صواب.
هذا الكلام لا يعني بأي حال من الاحوال أن الفريق يخلو من السلبيات، لكن أخترت في هذه المقالة أن أركز على الوجه المشرق لبرشلونة "الجديد". أخيراً أعذروني على الإطالة والسلام عليكم.